خصائص مذهلة للرياضيات البيولوجية

علم « الرياضيات البيولوجي » أو الرياضيات الحيوية ،biomathematics »هو تطبيق ا لرياضيات على المنظومات الحيوية Biological Systems ومثل ما تكمن «الفيزياء » وراء كثير من التقنيات الهندسية، فإن «البيولوجيا » تشكل أساسًا لعلوم مثل الطب والزراعة والعلوم البيئية، التي ثبت أنها لا تستغني عن التحليلات الرياضية. ويتغلغل علم «الرياضيات الحيوية » في جميع مستويات المنظومات والوظائف الحيوية، بدءاً من ترتيب الجزيئات الكبيرة
الحيوية Macromolecules المتمثلة في طي البروتين وخواص تحديد المواقع النشطة في الإنزيمات والمستقبلات Receptors ، وانتهاء بالغلاف الجوي البيئي بأكمله!.

الفيزياء وعلم الرياضيات الحيوية:
ويعد الدور المهم للفيزياء في تطور علم الرياضيات الحيوية طبيعياً للغاية باعتبار أن الفيزياء علم أقدم بكثير من البيولوجيا، وكأن تأثير الفيزياء مزدوجاً، فمن ناحية نجد أن الكائنات هي ببساطة منظومات مادية Material Systems ولو أنها من
نوع خاص جداً، والباحثون يفترضون إمكان تحليلها بنفس شروط وطريقة أي منظومات مادية أخرى.. إن نظرية التحليل
المادي للظواهر الحيوية، إلى عناصر بسيطة، مفادها أن العمليات الحيوية يمكن تحليلها إلى بيانات فيزيائية. ونجد التجسيد العالي لها في الفيزياء الحيوية Biophysics وعلى ذلك فإن أحد جذور علم الرياضيات الحيوية، وهو ما كان يسمى أصلا «الفيزياء الحيوية الرياضية Mathrmatical Biophysics » ومن ناحية أخرى فإن الأبحاث والدراسات المبكرة في علم الرياضيات الحيوية مث ل» ديناميكيات السكان «علم التنبؤ الرياضي Mathematical Ecology لم تحاول
أن تحذ حذو تلك التحليلات المادية للظواهر الحيوية ، وبدلاً من ذلك فإنها استغلت شكل تلك التحليلات مثل المعادلات التفاضلية Difrerenrial Retes وعبرت عن تحليلاتها بتغييرات حيوية صريحة بدلاً من المصطلحات الفيزيائية.
وكلا الأسلوبين مهم ، وخصوصاً أن الكائنات تتميز بخصا ئص - وخاصة في نموها وتطورها- ليس لها نظير في
المنظومات المادية غير العضوية، وعلى ذلك فقد اكتسب علم الرياضيات الحيوية، طابعاً متميزاً مستقلاً، وفي كثير من الحالات المهمة احتاجت تلك الخصائص إلى إعادة النظر في أسس علم الفيزياء ذاته، كما في تأثير المنظومات المفتوحة على علم «الديناميكا الحرارية «Thermo dynamics » وهو العلم الذي يعنى ببحث العلاقة بين خواص المواد وتفاعلاتها التي تتأثر بالحرارة، وتحول الطاقة من صورة لأخرى. البحوث الاستبدالية والنماذج الرياضية تعد فكرة )تعلم شيئا ما عن منظومة محددة، بدراسة منظومة أخرى مختلفة عنها -والتي نعني بها الدراسات والبحوث الاستبدالية Surrogate – فكرة جوهرية في جميع العلوم سواء التجريبية أو النظرية.
فالمعلومات التجريبية أو المبنية على الملاحظة ورصد النتائج، سوف تكون لا قيمة لها إذا كانت تختص فقط بالمنظومة المعينة الجاري دراستها، إذ إن الارتباط بين منظومة ما وبدائلها تكمن في« فكرة النموذج .Model »
وعلى سبيل المثال فمن المألوف استخدام حيوان معملي مثل الفأر كبديل لكائن آخر، والمعلومات المجمعة من دراسة هذا الفأر، يمكن على الأرجح توسيع نطاقها وتعميمها، بحيث تشمل الإنسان.
والفكرة الأساسية في علم الرياضيات الحيوية، هي أن أي منظومة رياضية مناسبة يمكن استخدامها بشكل مشابه، كبد يل لمنظومة حيوية ، ومن ثم يمكن للعلماء معرفة الكثير عن الكائن الحي باستنباط نموذج رياضي مناسب، بالطريقة
نفسها التي يعر فون بها لعديد من المعلومات عن الإنسان بإجراء التجارب على حيوان معملي بديلاً له، واستخدام النماذج
الرياضية، يطرح إمكانات تتجاوز –من جوانب مهمة- ما يمكن عمله بناء على الملاحظة والتجربة فقط.
ويمكن أن يتضح لنا مدى «ثراء » علم الرياضيات الحيوية، لو تعمقنا في استقراء الجذور الرياضية Mathematical Roots لفكرة البحوث الاستبدالية، فعلى سبيل المثال، يمكن إخفاء الفروقات الشكلية بين السلالات التي تنتمي لبعضها البعض بواسطة تحويلات بسيطة للإحداثيات الفضائية Coordinate Trans Formations التي تندمج فيها تلك الأشكال. والبحوث الاستبدالية لها دور مهم أيضاً، في العلاقات الوظيفية المميزة للكائن الحي، سواء أكانت كيميائة أو فيزيائية أو تطورية،وفكرة البحوث الاستبدالية لا تنحصر فقط في علم البيولوجيا إذ إن تطبيقاتها تشمل أيضاً استخدام نماذج مصغرة في التصميمات الهندسية Scale Models والتطابق والتماثل في الهندسة والجبر، وعموماً في مجالات إجراء
حوسبة قياسية Analog Computation التي تعتمد على تمثيل كميات عددية بالقياس المستمر لمتغيرات فعلية.

العلاقة الطولية والتشابه
باستخدام المصطلحات الحديثة جداً، يمكن إعادة صياغة تلك التأكيدات الخاصة
ب لبحوث الاستبدالية وعمل لنماذج الرياضية، «المرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً » ويعني هذا ضمنياً « المتشابهة » وهذا تأكيد ذو مغزى، إذ إن «المرتبطة ارتباطا وثيقا .» تعني علاقة طولية محددة مقترنة بالأنماط الوراثية بينما «المتشابهة » ما هي الا علاقة تكافؤ Equivalence تعتمد على الأنماط الظاهرية، نتيجة التفاعل الوراثي البيئي. وعلاقة «التشابه Similarity بين الأنماط الوراثية البيئية الملحوظة، هي التي تشكل بالطبع أساس البحوث الاستبدالية.
وهنا يثار سؤال على الفور: لو كان عندنا نمط وراثي معين، فما هو المدى الذي يمكن فيه أن يتغير أو يعدل أو تحدث به طفرة وراثية Mutation على أن يستمر محتفظاً بهذا التشابه ؟.
مثل هذا السؤال يقع من الوجهة الرياضية، في نطاق نظرية «الاتزان المستقر stability »
وخصوصاً الاتزان البنائي الأساسي، والعلاقات المتبادلة بين «العلاقات الطولية » و «التشابه » أمر عميق جداً ومعقد للغاية.
وفي الظروف العادية، يوجد الكثير من الأطقم الوراثية «الجينومات Genomes »غير المستقرة بمعنى أنه مهما ارتفعت درجة التقارب في العلاقات الطولية فإن الأنماط الوراثية البيئية المقترنة بها قد تتباين، أي
تكون غير قابلة للتحويل المتبادل Inrertrans Formsble وهذه الملاحظة التي توصل إليها أحد العلماء، تشكل أساس نظرية «الكوارث » Catastrophes التي تبين مدى تعقيد الارتباطات بين الأبحاث الاستبدالية. ومن الواضح تماماً، الأهمية الرئيسية لمثل تلك الأفكار الخاصة بظواهر التطور أو النشوء والارتقاء أو استكمال البيانات وتوسيع
مداها، من سلالة حية إلى أخرى أو العلاقة بين الصحة والمرض، كذلك فمن المؤكد أن الإطار الرياضي المحكم والمترابط ضروري لتقصي تلك الأفكار.